• قيّمة: نوريت طال طنا
  • مواعيد:6.9-24.10.24
  • مساعدة القيّمة چابي چليك

يقظة كاملة في روتشيلد

مشاركون.ات

رون حن مور أفغين شني أڨيڨي لئور كاتس عيناڨ شڨارتس يعلاه جيتسوڨ كلاينر أوهاد ليڨي نيطاع موزيس أوري زمير يشاي حوجستا

في واقع الأخروية والعسكراتية حيث تتفكك الحكومات والأيديولوجيات، يكسر الرب الحماية ويُعتبر الذكاء الاصطناعي الحقيقة المطلقة، يبحث الكثيرون منا عن طريق تمنح السكينة والأمان في خضم الجنون. في معرض اليقظة الكاملة في روتشيلد يعبر عشرة فنّانين عن تساؤلات التعالي[1] حول الواقع الحالي في سياق “ما بعد العصر الجديد” (الذي بدأ في النصف الثاني من القرن العشرين)، في مكان يلتقي فيه المادة بالروح، على أمل العثور على بديل للعقلانية المادية التي توفر شفاء للروح. يتناول الفنّانون جوانب محلية وكونية في سياق الأديان، الخيال العلمي، التناسخ، عبادة الطبيعة وممارسات أخرى تربط بين الجسد والروح.

قد يخطئ البعض ويعتقد أن الروح المتطرفة الحالية هي التي تشجع التعبير الميتافيزيقي في الفن، لكن أسئلة الوجود، الألوهية والمغزى حاضرة بكثرة أيضًا في الأعمال الفنّيّة المبكرة في الفن الإسرائيلي، على مختلف تعبيراتها الفكرية والمادية. على سبيل المثال، عمل “أين الله” لرؤوبين روبين من عام 1923، أو أعمال مردخاي أردون التي تتناول ميتافيزيقا الفنّان. وفقًا للباحث جدعون عفرات، “أردون، على الرغم من حساسيته الهائلة لأهوال المحرقة، وعلى الرغم من تضخيمه لصور الكارثة إلى أبعاد لاهوتية كونية، من المشكوك فيه أنه اخترق في حدسه الإبداعي ظلمات الزمن في الماضي والمستقبل ورسم خريطة رؤيوية[2]”.

جدير بالذكر أنه في خطاب الفن الحديث في القرن العشرين لم يتم تخصيص مساحة كبيرة للنقاش حول الروحانية أو التصوف، وكان المصطلح “العصر الجديد” يعتبر نوعًا من الإهانة (على الرغم من أنه في بعض النواحي يمكن القول إن الروحاني ليس بعيدًا عن المجرد). ومع ذلك، منذ النصف الثاني من القرن العشرين وحتى أيامنا هذه، يتزايد الانشغال بالفن من الجانب الميتافيزيقي، الروحاني وسؤال الإله، ولم يعد يُعتبر “تافهًا”، بل يحظى بمكانة واعتراف في الخطاب، وهو توجه ينعكس أيضًا في الفن الإسرائيلي. فيما يلي بعض الأمثلة: تتناول ميخال نئمان في سلسلة أعمالها “يهوا الألوان، 1976” سؤال الإله، وحتى مواد إبداعها (الشريط اللاصق) تتناول الظاهر والخفي؛ يعبر موشيه جرشوني في أعماله من الثمانينيات “إله مليء بالرحمة” عن نداء آخر للإله؛ في التسعينيات، منحت دوريت فلدمان في أعمالها متعددة الأبعاد لرموز الكابالا مكانة محورية، باعتبارها رمزًا صوفيًا لمعنى الفضاء والزمان؛ شاي أزولاي هو مثال لممثل بداية الألفية الثانية، حيث كتبت عنه ألين جينتون: “أزولاي يشق طريقه بنفسه لربط لوحته بعوالم دينية وصوفية[3]”.

يُعبر الخطاب المطروح في المعرض الحالي لمجموعة الفنّانين الشباب عن تأملاتنا في فترة مظلمة حيث يعيش المجتمع الإسرائيلي حالة من الانكسار والفوضى الاجتماعية، السياسية والاقتصادية، مجتمع ممزق وينزف دون قائد موجه. في سياق العمليات التي تحل بنا، يعبر الفن عن البحث الروحاني عن الطريق، عن النور.

في تثبيت العمل أوهاد ليڨي الضخم، يتم دمج وحدتي ركائز بحيث تشكلان ما يشبه مدخلاً للهيكل. في الجزء العلوي من العمل، يرفع المشاهد نظره إلى رسم تخطيطي، تجريدي هندسي، مكون من خيطان قطن حمراء تشكل خطاً/طريقاً بين النقاط. في الجزء المتصل بالجزء العلوي، يُدعى المشاهد للقراءة والتفسير من خلال نقش باتينا تظهر فيه راحات الأيدي (قراءة الكف أو الكيرولوجيا هي طريقة زائفة علمياً ترتبط بالمعرفة القديمة التي نُسبت إلى ديانات مختلفة، بهدف الكشف عن خبايا المستقبل). وفقاً لما قاله ليڨي، فإن فكرة التخطيط هي عمل من أعمال السيطرة والنظام في الحيّز. الشبكة هي التي تخلق السيطرة من خلال إنشاء الصورة على القماش. الشبكة هي لقاء المادة مع المستوى الروحي. بهذه الطريقة، يتواصل ليڨي مع أفكار الفنّانين التجريديين ويتأثر بهم.

تقول المنظرة روزاليند كراوس:

We will find that Mondrian and Malevich are not discussing canvas or pigment or graphite or any other of matter. They are talking about Being or Spirit. From their point of view, the grid is a staircase to the Universal.[4]

يسعى ليڨي في عمله للتوسط في توصيل الروحاني والسامي للمشاهد، وليس السامي دينيًا، بل العلمانيًا، مرتبطًا بالروح الإنسانية أكثر من كونه مرتبطًا بكيان إلهي. وفقًا لأقواله، يمكن لحالة الوعي الروحاني أن تتواجد عندما نتخلى عن السخرية والشك التي نتمسك بها عندما نريد مشاهدة العمل الفنّيّ.

في عمل فيديو يوظف التلاعب الرقمي، نرى شخصية الفنّان أوري زمير وهي تحلق في فضاء مليء بالغيوم، بمرافقة صوت تأملي. التأمل التخيلي الموجه، حيث يتخيل المتأمل نفسه محلقًا في واقع سماوي، يحصل لدي على واقع مرئي فعلا. الفانتازيا البدائية للتحليق تصبح واقعًا محتملًا. يتناول زمير في أعماله مجموعة متنوعة من التقنيات، المواد ووسائل الإعلام. وهو يهتم بالطريقة التي يمكن بها تحويل الأنشطة اليومية إلى فانتازيا. ويسعى إلى تعزيز الدراما والصراع من خلال تطبيق الخيال على الواقع، بهدف خلق بُعد أسطوري يشحن الفضاء بسرد جديد.

الهروب من الواقع لدى يعلاه جيتسوڨ كلاينر يتجلى في إقليم فانتازي تخلقه بتقنية الكولاج. وهي تؤثث هذا الإقليم بشكل مكثف وهوسي قطع طبيعية متناقضة، مصدرها متنوعة مثل صور المجلات، الإنترنت أو التصوير الزيتي، والتي تتماسك في وحدة واحدة على أربعة نوافذ قماشية. في وفرة من الكيتش الفاتن، يتجلى “رعب الفراغ” في كثافة العناصر التي لا تترك مساحة للتنفس أو لوجود الحياة، وكذلك في التعامل الفكري مع الكثافة المرتبطة بثقافة المعلومات، التجميع، الحفظ والاستهلاك في العصر الحالي.

يتحول اليومي لدى يشاي حوجستا إلى كيان سامي. تتميز أعماله بالقوام، التراكيب، والأسطح اللونية التي تتخللها إيماءات ذات طابع بقع كثيفة، خطي وشكلي؛ أشكال في طور التكوين، علامات عشوائية يمكن قراءتها كقصة من صنف الخيال العلمي أو كخريطة طبوغرافية. يدمج حوجستا بين الحضري وأوديسة أخرى، فينزع الأشياء والعناصر من الفضاء المألوف ويضعها في سياق جديد وغامض يخلق واقعًا موازيًا يشير إلى عالم غريب. مواد الإبداع (الألوان الصناعية، الرذاذ، أقلام الرصاص) تخدمه كآلية مادية يمكن من خلالها خلق واقع جديد مثبت في المادة.

يشمل تثبت عمل لئور كاتس مادتين تحملان حمولة رمزية روحية: رمال الشاطئ وشكل الدائرة، اللتان تُستخدمان للتعبير عن شيء “يحدث”، أي شيء يتكون في حركة مستمرة. على قاعدة من البرسبكس، ترسم كاتس دائرة باستخدام رمال الشاطئ (فعل يذكر بلعبة الأطفال)، حيث أن كل هبة ريح خفيفة أو خطوة عابرة على نقش الرمال تغير شكله. اللحظة المحددة لا تتكرر أبدًا، وكذلك حركة الطبيعة والحركة الداخلية. وفقًا لها، عندما تنحرف الدائرة عن شكلها الدقيق، تسعى إلى “إصلاحها” وصيانتها كما يتطلب الإيمان الصيانة الفورية. وفقًا لنظريات الروحية، تمثل الدائرة قوة الحياة والحماية من الفوضى وتعزز الثقة في الكون.

يخلق مور أفغين حركة دائرية في الزمان والمكان الكوني، الواعي؛ دوران ميكانيكا الموائع[5]، والتقنيات الحديثة تخدمه للتعبير الفكري والشكل البصري. في عمل النحت المعدني، يستعير أفغين صورة أسطورية – الإله يانوس ذو الوجهين (صورة تتماشى مع أعماله السابقة، “الحمار ذو الرأسين”) – كمحاكاة للتعبير عن استراتيجية لإنشاء معلومات مشفرة غير مطلقة. يُعتبر يانوس حاكم طرفي الحياة: يبرد – يتجمد – يذوب – يتعرق وهكذا دواليك. النقش الذي يظهر عليه صورة الرأس المزدوج هو الآلية التي تولد الحركة اللامتناهية، التي تعمل كعملية انتشار: من جهة، يحصد الرطوبة المحيطة التي تعتمد على درجة الحرارة والكثافة، ومن جهة أخرى، ينشر الحرارة إلى البيئة. لعبة حالات المادة الطاقية المتكررة بين سيدين، بين أنظمة التجميع والسيطرة، بين المجرد والصلب، بين البعد الوجودي والبعد الأسطوري. نشوء المصدر كوحدة لولب DNA  متكررة. أفغين يربع الدائرة[6] إلى ما لا نهاية ويطلب التعبير بأدوات عقلانية عن المستحيل.

نيطاع موزيس تعرض فيلم How To Be Alone، الذي يتحدث عن امرأة شابة تجوب العالم الافتراضي والواقعي في بحث وجودي عن الطريقة الصحيحة للعيش. الفيلم يستكشف التناقض في الإنترنت: تدفق لا نهائي للوعي والمعرفة، بدون حقيقة مطلقة. تم تصوير الفيلم في 2018/19، أثناء إقامة موزيس في برايتون في إطار برنامج تبادل طلابي. في تلك الفترة، أثيرت لديها تساؤلات وجودية. في الفيلم، تعمل موزيس كممثلة، مخرجة، ومحررة (شقيقها التوأم، الموسيقار غاي موزيس، كان مسؤولاً عن الصوت. التزامن بين التوأمين هو أيضًا جزء مهم من تساؤل الوحدة الوجودية بالنسبة لها). في الفيلم، تتجول موزيس في الطبيعة وهي مزودة بجهاز كمبيوتر. على مدار الفيلم، هناك محور يتحرك بين الطبيعة والتكنولوجيا، ويشير إلى الفجوة بين السينما السردية وعمل التحرير وزرع المحتوى الافتراضي. تم عرض العمل لأول مرة في عام 2020، خلال فترة الكورونا، حيث منحت الوحدة والعزلة التي فرضتها الجائحة صلة وثيقة مختلفة للعمل. الآن يُعرض الفيلم لأول مرة في نسخته المستمرة ويشمل فصلًا إضافيًا يتضمن صورًا من العام 2023 وحتى الآن. مسألة معنى الوجود والتعامل معه لا تزال مستمرة وتمنح أهمية لما هو هنا والآن.

العمل الأدائي الموثق “الشجرة المتنفسة” للفناّنة متعددة التخصصات عيناڨ شڨارتس يعبر عن تطلعنا بالانفصال عن الهوس، الهروب من تلوث الهواء، ضوضاء الحياة اليومية والمهام الغير المنتهية، والتطلع إلى استنشاق الطبيعة، فقاعة من الأكسجين النقي، والاسترخاء. شڨارتس تتيح لنا تحقيق هذه التطلعات من خلال جهاز “الشجرة المتنفسة”: كل ما علينا فعله هو الدخول إلى جذع الشجرة والتنفس. مثل أعمالها السابقة، يتكاتب هذا العمل الأدائي مع سيرتها الذاتية كابنة ساحر – في نضوجها تسعى أيضًا لإحداث السحر، جلب أنفاس الطبيعة إلى صخب المدينة الكبرى.

رون حن يتناول الأماكن التي تتيح فيها النوعيات الباطنية للصورة التمازج بين الجسد والوعي. وهو يقتبس مقولة الرابي نحمان من بريسلوڨ – “أنت في المكان الذي توجد فيه أفكارك، تأكد أن أفكارك توجد في المكان الذي تريد أن تكون فيه” – يقول إنها تتصل بالتجربة التي تفصل الحضور عن الجسد وتشير إلى إمكانية توجيه الحركة، كمترحل يبحث عن طريقه إلى الهدف. عمله “جبل مغطى بالثلج” يعبر عن المكان غير الملموس الذي يعتبر “ساميًا” (Sublime)[7]، حيث يقف الإنسان أمام الطبيعة اللامتناهية. تعزيز صغر حجم الإنسان أمام الطبيعة السامية يميز التقاليد الرومانسية الشمالية كما صيغت في الفكر الذي بدأ في القرن الثامن عشر وتجلت عند فنّانين مثل كاسبر ديفيد فريدريك في عمله “متجول فوق بحر من الضباب”، 1818، الذي يعبر عن التجربة الإنسانية الحديثة للكون الغير القابل للإدراك والفهم.

التثبيت وعمل الفيديو “مكان للعيش” (A Place to Be) للفنّانة شني أڨيڨي يمثلان مساحات ملجأ في واقع ديستوبي. في وقت أصبح فيه المنزل مكانًا غير آمن، يكتسب الملجأ أهمية وجودية ذات صلة يومية. يتضمن تثبيت أڨيڨي أشياء ضرورية للإقامة الطويلة. كما أن التلفاز موجود كشيء عملي وفي الوقت نفسه يُستخدم كـعمل ناجز مُعالج لعرض عمل الفيديو. في الفيديو، تظهر دبابة تُستخدمها أڨيڨي كمكان سكن؛ أداة مدرعة مخصصة لحماية الإقليم تتحول إلى الإقليم نفسه. تحاول الشخصية النسائية التي تعيش في آلة المدمرة هذه أن تجعل المكان مساحة نسائية ترعى الروتين الحياتي والنمو. وهي لا تكتفي فقط بالمساحة الداخلية للدبابة بل تخرج إلى محيط الغابة في محاولة لإصلاح غبن إنساني حدث في الماضي. في الغابة، التي تقع على حدود ألمانيا بولندا، تكون الأشجار ملتوية الجذوع. يعتقد الباحثون أن تشوه الجذوع ناتج عن الحرارة الهائلة المنبعثة من الدبابات خلال الحرب العالمية الثانية. الشخصية تعمل على تغليف (تدفئة) الأشجار في عصر أزمة المناخ والاحتباس الحراري العالمي، بعد أن سيطر الإنسان على الطبيعة وأفسدها. الوضع في جوهره عبثي ويشكك في قدرة النسوية البيئية على إحداث إصلاح. العمل المتعدد التخصصات، الممتد عبر فضاءات ملجأ متغيرة في المكان والزمان، يقدم أيضًا بُعدًا روحانيًا عبثيًا، يفاقم حدة وجهة النظر تجاه الأفعال التي تبعدنا عن السعادة – الحرب، الحدود، واستغلال الطبيعة.

نوريت طال طنا، قيّمة

 

[1] يعتبر التعالي جانبا من قوة مستقلة كليا عن الكون المادي. وقد تم تأكيد هذا المفهوم في التقاليد الدينية المختلفة وهو يتناقض مع مفهوم الإله أو الوجود المطلق الموجود حصريا في النظام المادي (المحايثة)، أو لا يمكن تمييزه عنه (وحدة الوجود). يمكن أن يعزى التعالي إلى الإله ليس فقط في وجوده، ولكن أيضًا في معرفته: هكذا فإن الله قد يتجاوز كل من الكون والمعرفة (بمعنى أنه أبعد من فهم العقل البشري). ويكبيديا.

[2] جدعون عفرات، “الحدس الميتافيزيقي للفن الإسرائيلي”، مخزن جدعون عفرات، تموز 2014.

[3] ألين جينتون، “اللوحة المُضاءة”، شاي أزولاي ورؤوبين يسرائيل شركاء كبار (كتالوج)، متحف تل أبيب، تموز 2011، ص 7.

[4]  Rosalind E. Krauss, The Originality of the Avant-Garde and Other Modernist Myths, MIT Press, 1986, p. 10

[5] ميكانيكا الموائع هو تخصص فرعي من ميكانيكا المواد المتصلة وهو معني أساسا بالموائع، التي هي أساسا السوائل والغازات، ويدرس هذا التخصص السلوك الفيزيائي الظاهر الكلي لهذه المواد (ويكيبيديا).

[6] يحاول أن يفعل المستحيل. يوظف جهودًا كبيرة للحصول على شيء ما.

[7] يربط أدموند بروك بين الجميل والمتسامي، ويدعي أن جذور الجميل في اللذة pleasure)) بينما جذور المتسامي في الألم والقلق (pain, anxiety). وهو بريط بين الاثنين بواسطة مفهوم المتعة delight)، أي اللذة التي يحركها القلق. من هنا فإن التسامي هو لذة ما يوقظه القلق، حالة من الانفعال حيث يتم تعطيل جميع الحركات. يسعى بورك إلى تمييز هذا القلق عبر تعريفه أنه بعيد عن كل خطر محتمل وفعلي، أي أن المكان المادي للفرد بأمان رغم أن نظرته ومنفعته (givenness) يتحركان من قبل الإحساس بالقلق النابع من الشعور بعدم الأمان.

لتحميل دليل المعرض